آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-12:43ص

محليات


تقرير لصحيفة لندينة حول الصراع السياسي باليمن والوساطة الاممية شبه المستحيلة

تقرير لصحيفة لندينة حول الصراع السياسي باليمن والوساطة الاممية شبه المستحيلة

الأحد - 19 يوليه 2020 - 10:07 م بتوقيت عدن

- مراقبون برس-القدس العربي

 
واكبت الأمم المتحدة المسألة اليمنية منذ إنطلاق ثورة 11 شباط/فبراير 2011 وحتى هذه اللحظة. وقد تبدل على اليمن ثلاثة مبعوثين خاصين كما تابعت المنظمة الدولية أربعة مسارات في المسألة اليمنية. المبعوثون الأربعة هم المغربي جمال بنعمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد والبريطاني مارك غريفيث.  أما المسارات التي تعمل عليها المنظمة الدولية  لمساعدة اليمن فهي المسار السياسي، والمسار الإنساني لإيصال المساعدات إلى نحو 18 مليون يمني، وملف حظر الأسلحة، وملف انتهاك حقوق الأطفال، واتفاقية ستوكهولم حول الحديدة، وأخيرا ملف الخزان العائم “صافر” الذي يحمل مليونا ونصف الميلون من النفط لمدة تزيد عن خمس سنوات ويهدد في حالة تسرب النفط بوقوع كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لا مثيل لها.
 
من الصعب تغطية كل هذه الملفات لكنني سأحاول أن أحصر الحديث في الموضوع السياسي وصعوبة تحقيق الاختراق السياسي رغم أن مارتن غريفيث، المبعوث الخاص للأمين العام الحالي، ما زال يعتقد أن ذلك ممكنا.
 
الأمم المتحدة وآلية الوساطة
 
تلجأ الأمم المتحدة لعدد من الآليات لحل النزاعات بالطرق السلمية، كما نص على ذلك الفصل السادس من ميثاقها. ومن بين هذه الآليات الوساطة، والتحكيم، والتحقيق، واستخدام مساعي الأمين العام واللجوء إلى المنظمات الإقليمية وطرح قضية الخلاف أمام المحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية. فالوساطة واحدة من تلك الآليات التي استخدمتها المنظمة الدولية مرارا وتكرارا لفض النزاعات الدولية. وقد نجحت الأمم المتحدة في نزع فتيل عدد من النزاعات عن طريقة الوساطة ولكنها فشلت في نزاعات أخرى. فقد استطاعت الأمم المتحدة وخاصة بعد نهاية الحرب الباردة عام 1989-1991 التوسط بنجاح في عدد من النزاعات مثل تيمور الشرقية والسلفادور ونيكاراغوا وسيراليون وليبيريا وناميبيا وجنوب السودان ونهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وكمبوديا وغيرها ولكنها فشلت في حالات أخرى مثل يوغسلافيا السابقة والصومال والكونغو وأفغانستان والسودان وغيرها.
 
وكي تنجح الوساطة الدولية يجب أن يتوفر شرطان أساسيان: أولا أن يقبل أطراف النزاع بجد وساطة الأمم المتحدة، وثانيا أن يكون مجلس الأمن موحدا فعلا خلف جهود الوسيط الدولي، داعما لمهمته وواضعا تحت تصرفه الإمكانات اللازمة. وهذان الشرطان لم يتوفرا لا في سوريا ولا اليمن حيث فشلت الوساطة في الدول الثلاث ولا علاقة لذلك بمهارة الوسيط وقدراته. ففي هذه الجبهات الثلاث هناك طرف يعتقد أنه سيحسم المعركة عسكريا ولذلك يفاوض فقط لاكتساب الوقت والإعداد لمعركته القادمة، هذا من جهة ومن جهة ثانية كان هناك انقسام بين أعضاء مجلس الأمن حتى ولو صوتوا بالإجماع مع القرارات.  فقد اعتمد المجلس ثلاثة قرارات خلال عام 2015 تتعلق كلها بحل النزاعات في هذه البلدان الثلاثة:  اليمن 2216 (2015) وسوريا 2254 (2015) وليبيا 2259 (2015). لكن القرارات شيء وتنفيذها على الأرض شيء آخر. وهذه هي مشكلة الدول الثلاث ولكننا سنخصص الحديث عن اليمن.
 
 
 
جهود المبعوثين الثلاثة
 
تناولت المرحلة الأولى (نيسان/أبريل2011 – نيسان/أبريل 2015) تحت إشراف جمال بنعمر البدء بعملية انتقالية سياسية ودعمها على النحو الذي أرسته مبادرة مجلس التعاون الخليجي. وتوجت هذه المرحلة بالتوصل إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر تسعة أشهر بمشاركة كافة أطياف الشعب اليمني. تأتي المرحلة الثانية التي قادها البمعوث الثاني لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد (نيسان/أبريل 2015- شباط/فبراير2018) والتي شهدت إنطلاق “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية بعد أن قامت قوات أنصار الله والحرس الجمهوري التابع للرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، باحتلال العاصمة اليمنية صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014 وبدأوا يتمددون إلى الجنوب وصولا إلى مشارف عدن. في هذه المرحلة ركزت جهود المبعوث الخاص الثاني على إقناع أطراف النزاع بوقف القتال والعودة إلى العملية السياسية.  استطاع ولد الشيخ أحمد أن يجمع الفرقاء أولا في جنيف وثانيا في الكويت. كان يؤمن بأن الحوار وجها لوجه هو أفضل طريقة لمحاولة كسر الجمود مصحوبا بخطوات صغيرة لبناء الثقة. استمرت حوارات الفرقاء في الكويت عام 2016 نحو 3 أشهر، لكنهم لم يتوصلوا إلى أي اتفاق لحل الأزمة. استقال ولد الشيخ أحمد في كانون الثاني/يناير 2018 وبدأت المرحلة الثالثة من شباط/فبراير 2018 وحتى الآن مع النهج الجديد للمبعوث الخاص، مارتن غريفيث، القائم على تحقيق خطوات صغيرة على طريق التسوية السلمية الشاملة بين أطراف النزاع. وقد قدم غريفيث خطة سلام إلى مجلس الأمن في حزيران/يونيو 2018 تنص على وقف الغارات الجوية للتحالف مقابل وقف إطلاق النار، فضلاً عن تسليم الحوثيين للأمم المتحدة الأسلحة المتوسطة والثقيلة، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى. وتتضمن خطة السلام اتفاقا انتقاليا للحكم يهدف إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. وقد نجح غريفيث بجمع الأطراف اليمنية في السويد لمدة أسبوعين توصلوا بعدها إلى اتفاق ستوكهولم في كانون الأول/ديمسبر 2018 الخاص بالحديدة وهو أكبر إنجاز حققه مارتن غريفيث في بداية ولايته. ثم استطاع أن يحقق انجازات صغرى أخرى كتبادل بعض الأسرى وإرسال عدد من المصابين للعلاج الخارجي من مطار صنعاء، وتجميد القتال إلى حد كبير في منطقة الحديدة.
 
تعقيدات المشهد اليمني
 
بدأ المشهد اليمني يشهد تعقيدا كبيرا عندما قام “أنصار الله” وحلفاؤهم من الحرس الجمهوري، الذي يقوده أحمد إبن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بالسيطرة على العاصمة بالقوة واحتجاز الرئيس عبد ربه منصور هادي. وكان هناك نوع من الحنق لدى أعضاء مجلس الأمن على هذا التصرف فاعتمد القرار 2216 على هذه الخلفية. ولم يكتف أنصار الله وحلفاؤهم من حزب المؤتمر بالسيطرة على العاصمة وعلى الوزارات والقصر الرئاسي بل تابعوا زحفهم العسكري نحو الجنوب وصولا إلى مشارف عدن. هذه بداية دخول اليمن في مرحلة مجهولة النهاية بعد موجة التفاؤل التي أعقبت مؤتمر الحوار الوطني. ولنتابع بقية العقبات:
 
* بدأ التدخل العسكري الذي قادته المملكة العربية السعودية تحت ما سمي بـ “التحالف العربي” والمكون من نحو 15 دولة، على الأقل في بداية الحملة، والذي أطلق “عاصفة الحزم” ابتداء من 25 آذار/مارس 2015 التي غيرت قواعد اللعبة تماما، حيث وجدت السعودية وحليفتها الإمارات العربية أساسا انهما غير قادرتين على حسم المعركة عسكريا وغاصتا عميقا في أوحال اليمن حيث توسعت بعدها المعارك لتشمل الأرض السعودية بمدنها ومطاراتها ومنشآتها النفطية، وكان المدنيون أكبر ضحايا هذه الحرب القذرة التي طالت المدارس والمستشفيات والأعراس والجنازات والمنشآت الحيوية. كما أن إيران أصبحت لاعبا أساسيا يدعم الحوثيين ويقدم لهم الخبرة والسلاح والتكنولوجيا. وهنا لم يبق النزاع اليمني يمنيا خالصا بل تلقفته قوى إقليمية ودولية ذات مصالح متضاربة ليتحول إلى نزاع إقليمي بامتياز ما جعل مسألة التسوية السياسية عن طريق المفاوضات المباشرة برعاية الأمم المتحدة صعبة جدا. لقد وثق الأمين العام في تقاريره تدفق السلاح، مثل النزاع الليبي تماما، من العديد من الأطراف المحلية والدولية التي ساهمت في تأجيج الصراع ونقله إلى مستويات أعلى. كما دخلت الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة ميدان المعركة إضافة إلى تزويد الأطراف المتنازعة بالمعلومات الاستخبارية والأموال. وما كان للأمم المتحدة في ظل هذه التدخلات الإقليمية ووجود أطراف داخل مجلس الأمن تدعم أحد الأطراف أن تستطيع نزع فتيل النزاع.
 
* المشكلة الأعقد في المشهد اليمني هي الدور الخطير الذي تلعبه دولة الإمارات العربية في ما يجري لليمن من خراب ودمار وتفكيك. فهدف الإمارات من دخول الحرب لا علاقة له بهزيمة الانقلاب الحوثي بل بالدفع بمصالح الإمارات التي أصبحت تتصرف كدولة عظمى وعملت منذ البداية على تعزيز وجودها في جنوب اليمن والسيطرة على الموانئ واحتلال جزيرة سقطرى في حزيران/يونيو الماضي. أنشأت الميليشيات العديدة وصرفت عليها الملايين وأقامت لها المعسكرات والسجون ومراكز التحقيق والتعذيب حتى إنها منعت عبر هذه القوات طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن وهزمت قواته عسكريا وطردتها من محيط المطار في شباط/فبراير 2017 وعادت في آب/أغسطس 2018 واحتلت القصر الجمهوري والمقرات الحكومية بالضبط كما فعل الحوثيون في صنعاء. حاولت الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 حل الإشكال لكن الانقلاب الإماراتي الذي أعلنه رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي من أبو ظبي عاد ولخبط الأوراق وجرف اليمن مرة أخرى إلى تقسيم جديد ومعاناة أعمق في ظل المجاعة والحروب وجائحة كورونا.
 
* بسبب هذا النزاع انزلق اليمن نحو أسوأ كارثة إنسانية في العالم. يخضع السكان المدنيون في اليمن إلى حالة من اليأس والقنوط جراء المعاناة الراهنة، فوفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: يحتاج نحو 24.1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى الدعم الإنساني أو الدعم في مجال الحماية. وهناك نحو 14.3 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة. وهذا يعني أنهم بحاجة إلى المعونة للبقاء على قيد الحياة. وفي الوقت الراهن، ارتفع العدد 20 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين أن 8 نحو مليون شخص لا يعرفون من أين ستأتيهم وجبتهم المقبلة، وهم معرضون لخطر المجاعة. وقد فر ما يقدر من 4.3 مليون شخص من ديارهم منذ بداية الصراع، بمن فيهم نحو 3.3 مليون شخص ما زالوا مشردين داخليا.
 
هذا هو المشهد في اليمن. ومع كل هذه الصورة السوداوية، أعلن مارتن غريفيث أنه ما زال متفائلا وأنه قد يحمل أخبارا إيجابية حول وقف شامل لإطلاق النار. كما أعلن أنه تسلم خطيا من “أنصار الله” موافقة بإرسال فريق فني للتفتيش على “خزان صافر” خلال ثلاثة أسابيع ليجنب اليمن مأساة جديدة فوق سلسلة المآسي التي خلفتها سنوات الدكتاتورية الطويلة والحروب والتدخلات الإقليمية والدولية. لعلها الخطوة التي ستعيد الأطراف إلى طاولة المفاوضات بعد أن يتوقف أزيز الطائرات ودوي المدافع وزنات الطائرات المسيرة.