آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-12:43ص

محليات


تقرير لصحيفة لندنية : "الحوثيون والاستراتيجية الإيرانية في اليمن"

تقرير لصحيفة لندنية : "الحوثيون والاستراتيجية الإيرانية في اليمن"

الأحد - 19 يوليه 2020 - 09:58 م بتوقيت عدن

- مراقبون برس-القدس العربي -صادق الطائي

لطالما مثل اليمن هدفا استراتيجيا بالنسبة لصناع القرار الإيراني، لانه وببساطة يمثل البوابة الجنوبية التي يمكن الدخول عبرها إلى مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي العصية على الاختراق الإيراني عبر شواطئ الخليج الممتدة لآلاف الكيلومترات. كما إن الموقع الاستراتيجي لليمن المسيطر على أحد أهم الممرات المائية العالمية، وهو مضيق “باب المندب” يلعب دورا استراتيجيا في الصراع الإيراني الإسرائيلي، لأن المضيق يتحكم بخط الملاحة الجنوبي بالنسبة لإسرائيل عبر البحر الأحمر، وهذا الامر أضاف أهمية لدور اليمن في الحسابات الإيرانية.
 
لكن من جانب آخر لطالما مثل اليمن الحديقة الخلفية للسياسات السعودية. فمنذ حروب الثلاثينيات بين المملكة المتوكلية في اليمن والمملكة السعودية الصاعدة أبان عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود كان هناك تنافس شديد بين الطرفين ومحاولة سعودية لابتلاع اليمن الشمالي وترك عدن التي كانت حينها محمية بريطانية، والنتيجة اقتطاع مدن حدودية من اليمن في منطقة عسير وضمها للسعودية مثل جيزان ونجران والمناطق المجاورة لها، وقد رسمت السياسة السعودية استراتيجيتها القائمة على أن تكون لها اليد الطولى في التحكم بالكثير من القضايا اليمنية لاحقا، مثال ذلك الدور المؤثر في حرب اليمن عبر دعم نظام الملك فيصل بن عبد العزيز للملكيين والقبائل الموالية للإمام البدر، وتحريضهم على قتال الجمهوريين المدعومين من الجيش المصري إبان حرب اليمن في الستينيات. وكذلك الدعم الكبير لنظام السلطان قابوس في سلطنة عمان في قتاله جبهة تحرير ظفار المدعومة من اليمن الجنوبي ونظام عبد الناصر، كما كان الوجود السوفييتي في اليمن الجنوبي يمثل تهديدا للاستراتيجية السعودية المتحركة في فلك السياسة الأمريكية، وقد سعى السعوديون جاهدين لدعم صنعاء لحين انتصارها على عدن وفرض دولة الوحدة مطلع تسعينيات القرن الماضي وتفكيك نظام الحزب الاشتراكي الحاكم في اليمن الجنوبي .
 
الولادة والصعود
 
يشير الباحث اليمني محمد الجميح في دراسته عن تاريخ الحركة الحوثية في شمال اليمن إلى نشوء الحركة بقوله؛ ترجع أولى المحاولات الحركية الجادة لهذا التيار في العمل التنظيمي الديني والسياسي إلى العام 1985 حيث أسس القاضي صلاح أحمد فليتة، والد محمد (عبد السلام) فليتة، الناطق الرسمي للحوثيين في اليمن ما سمي في حينه بـ”اتحاد الشباب المؤمن” الذي كان منتدى دينياً يعنى بإحياء حركة الإمامة الزيدية على أساس الحق الإلهي المعروفة باسم “الهادوية” وكان من ضمن فقهاء الاتحاد: مجد الدين المؤيدي، ولم يكن لبدر الدين الحوثي، والد الزعيم الحالي للحوثيين عبدالملك الحوثي، أو أي من أولاده أي حضور فيه، في ذلك الحين.
 
كما يروي محمد يحيى عزان، الأمين العام السابق لـ “اتحاد الشباب المؤمن” القصة بقوله: إنه في 1985 و1986 تم تأسيس منتدى ديني ثقافي في مدينة صعدة تحت مسمى “اتحاد الشباب الزيدي” ولكن السلطة يومها اعترضت على التسمية، نظراً للحساسية المذهبية، فتمت تسميته “اتحاد الشباب المؤمن”. ويذكر أنه “في تلك الفترة لم يكن لهم أية علاقة مع أي من آل بدر الدين الحوثي، الذين لم يكونوا يحضرون أنشطة الاتحاد في صعدة وضحيان”. وقد برز اسم حسين بدر الدين الحوثي، كواحد من قادة احتجاجات صعدة في شمال اليمن، وقد حدثت مواجهات بين قوات الحكومة المركزية اليمنية والمتظاهرين. ولم تفلح دعوات التهدئة في تجسير الهوة بين الطرفين، إذ قاد نظام علي عبد الله صالح ومؤيدوه مواجهة دامية مع الحوثيين انتهت بعد شهرين بمقتل حسين الحوثي.
 
بعد مقتل حسين الحوثي، أصبح والده، بدر الدين الحوثي، بمنزلة القائد الروحي للحركة الحوثية، لتبدأ شيئًا فشيئًا الحركة بالظهور تحت مسمى “أنصار الله” ومن بين أبرز قياداتها: عبد الملك ويحيى، وهما شقيقا حسين الحوثي. ويشير عدد من الباحثين إلى إن الطروحات السياسية لحسين الحوثي كانت بمثابة المحرك الأساسي لعسكرة الحركة، إذ تبنى مجموعة من الأفكار السياسية المستقاة بصورة واضحة من الفكر الثوري الإيراني، وفي العام 2001 تبنى ما يعرف بـ “الصرخة” التي باتت تمثل الشعار المركزي الثوري للحركة الحوثية، وهو شعار معروف اليوم وهو؛ “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
 
على خلفية الصراعات الدامية بين جماعة الحوثي ونظام علي عبد الله صالح رحَّب الحوثيون بالاحتجاجات التي اندلعت ضمن موجة الربيع العربي التي ضربت صنعاء، ومثلوا حزبا حيويا ضمن المجموعات المؤيدة للثورة والمطالبة باطاحة نظام صالح، مع بقائها محتفظة بقواها العسكرية بصورة كامنة وغير معلنة طوال فترة التظاهرات الاحتجاجية في صنعاء ومدن اليمن الأخرى.
 
وقد لعب الحوثيون على التوازنات السياسية، فتنقلوا بتحالفاتهم وفق ما تمليه عليهم مصالحهم السياسية، إذ دخلوا طرفا فاعلا في “مؤتمر الحوار الوطني” وعند انتصار حراك الربيع اليمني عبر تنحي صالح عن الحكم بعد عناد طويل ودخول المبادرة السعودية على الخط، دعم الحوثيون الحكومة المؤقتة التي شكلها عبد ربه منصور هادي، التي سرعان ما انقلبوا عليها بعد تعزيز قوتهم على الأرض، ونتيجة ضعف منافسيهم ومع حدوث الفراغ في السلطة المركزية وضعف حكومة هادي عزَّز الحوثيون قواتهم في العاصمة صنعاء، ليتمكنوا في النهاية من إقصاء منافسيهم من المجموعات السياسية الأخرى وسيطروا على صنعاء. وقد عارض الحوثيون مسودة الدستور، وحاصروا القصر الرئاسي ومقر إقامة عبد ربه منصور هادي بالاعتصامات، وطالبوه بمزيد من التنازلات. والنتيجة النهائية سيطرتهم على مفاصل الدولة وإقصاء حكومة هادي والتحالف مع خصمهم القديم علي عبد الله صالح  ليشكلوا لجانا ثورية تمسك بالمؤسسات الحكومية، لكن لم يدم تحالفهم مع صالح طويلا، إذ اختلفوا معه فتمت تصفيته في كانون الأول/ديسمبر 2017.
 
 
 
الحرب الباردة السعودية الإيرانية
 
يشار إلى ان تطور العلاقات الإيرانية اليمنية ابتدأ بالتحسن مع بداية الألفية الثالثة، إذ شهدت العلاقات الدبلوماسية والثقافية تطورا ملحوظا بين البلدين، وابتدأت الأصابع تشير إلى تقارب إيراني مع الحوثيين في اليمن، مما دفع السعودية إلى تشديد التصرف تجاه هذه الحركة ودفع نظام علي عبد الله صالح إلى شن الحروب والحملات العسكرية المتعددة ضد هذه الجماعة المتركزة في مدينة صعدة شمال اليمن، حتى وصل عدد الحملات العسكرية التي شنها نظام صنعاء ضد الحوثيين بدفع ومباركة الرياض بين 2004 و 2010 إلى ست حملات دموية عنيفة لكنها جميعا وقفت عاجزة ولم تستطع القضاء على الحركة الحوثية
 
النتيجة ان اليمن بات يمثل ساحة تنافس ايديولوجي قائم على أسس ودوافع طائفية، وصراع استراتيجي على كسب المصالح وفرض النفوذ في المنطقة في خضم الحرب الباردة الإقليمية بين السعودية وإيران، وفي إشارة ذكية لمارتن ريدون، النائب الأول لرئيس مجموعة سوفان جروب المتخصصة في الاستشارات الأمنية،  يشبه التنافس الإيراني- السعودي في اليمن باللعبة الكبرى بين بريطانيا وروسيا في أفغانستان قبل قرن من الزمان.
 
لم تتضح التدخلات الإيرانية في اليمن بشكل جلي حتى وقت متأخر، وقد انهالت العديد من الاتهامات من جهات سعودية وخليجية وغربية تتهم إيران بالوقوف خلف الحوثيين في حربهم ضد خصومهم السياسيين، بل واتهام إيران بانها تحرك الحوثيين ضمن أجندة الحرب بالنيابة في إحدى بؤر التوتر في الشرق الأوسط، إلا إن الأدلة على ذلك بقيت حتى فترة متأخرة محدودة وغير واضحة.
 
ففي عام 2018 مع اشتداد عمليات “عاصفة الحزم” التي أطلقتها السعودية على نظام الحوثيين في اليمن الشمالي ، نشر موقع “اعتماد” تصريحات لناصر شعباني الذي يوصف بأنه قائد العمليات في قاعدة “ثأر الله” المسؤولة عن أمن طهران، قال فيها: “طلبنا من اليمنيين ضرب ناقلتي النفط السعوديتين وقاموا بضربهما. حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن هما عمقنا” وأضاف إن “العدو ضعيف للغاية لدرجة أنه يمكننا التعامل معه على الجانب الآخر من الحدود، لكننا لا نصرُّ على المواجهة مع السعودية على الجانب الآخر من الحدود”.
 
من جانب آخر تحركت إيران في مراحل لاحقة لاحتواء الأزمة اليمنية وفق أسس حددتها الخارجية الإيرانية وتتمثل بوقف إطلاق النار وجميع الهجمات العسكرية الأجنبية، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني بشكل فوري، واستئناف الحوار الوطني اليمني-اليمني بمشاركة ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية والفئات الاجتماعية في البلاد. وتشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة.
 
وفي آب/اغسطس 2019 زار وفد من حركة الحوثيين برئاسة القيادي في الحركة محمد عبد السلام إيران، واتخذت الحركة عبر هذه الزيارة خطوة استراتيجية في علاقتها مع إيران، التي وصفت بأنها إعلان رسمي عن هوية الحوثيين الجديدة، فقد جرى استقبال الوفد على أعلى مستوى وعكس الاستقبال ترحيبًا كبيرًا، واجتمع الوفد مع المرشد الأعلى السيد الخامنئي وسلَّموه رسالة من عبد الملك الحوثي، أعلن فيها مبايعته لمرشد الثورة وانخراط أنصار الله في محور المقاومة. وفي 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 قدّم المسؤول الحوثي البارز ابراهيم محمد الديلمي أوراق اعتماده سفيراً لليمن لدى إيران، وقد كان تعيينه بمثابة انتصار رمزي للتيار الحوثي الذي يسعى منذ عام 2015 للحصول على اعتراف دبلوماسي من إيران، لذا لا يتوقع المراقبون فك الارتباط بين الطرفين بعد كل هذه الخطوات.